التدقيق اللغويّ، والتحرير كلاهما يقصد به الحد من الأخطاء؛ فمن المهم اليوم أن تكتب النصوص دون أخطاء شنيعة، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها؛ لأن الأخطاء التي ترتكبها تنعكس عليك بشكلٍ سلبي، وتؤثر في نظرة الأشخاص لك، وحكمهم على خبرتك وكتاباتك، سواء كانت هذه الأخطاء في مقالٍ علمي نشرته، أو في رسالةٍ قدّمتها لجامعتك، أو في سيرةٍ ذاتية أرسلتها للحصول على وظيفة، أو منحة دراسية، أو في بريد إلكتروني أرسلته إلى جهةٍ رسميةٍ، أو في كتابٍ يتم طباعته، أو في مقالات تنشرها على موقعك الإلكتروني، ويمكنك تجنّب الأخطاء السابقة من خلال التدقيق اللغويّ لمختلف النصوص التي تكتبها، وتعدّ عملية التدقيق اللغويّ العربي المرحلة الأخيرة من عملية التحرير، وتتضمن التركيز على الأخطاء الصرفية، والإملائية والنحوية، وعلامات الترقيم؛ لذا فالتصحيح اللغوي خطوة هامة من خطوات كتابة النصوص، ولا يمكن الاستغناء عنها، أو تجاهلها، إذ يمكن أن يغير حياتك بالكامل؛ ففي حال أهملته، فإما ستفشل في الحصول على وظيفة العمر، أو يتم رفض طلبك للتقدّم إلى المنح الجامعية، أو تحصل على علاماتٍ قليلةٍ في الدراسات العليا، وفي هذا المقال، سنذكر تعريف كل من التدقيق اللغويّ والتحرير، ونذكر الفروقات الهامة، والرئيسية بينهما.
ما هو التدقيق اللغويّ؟
المعنى المعجمي لكلمة “التدقيق” هو الضبط والإحكام؛ بينما مجال التدقيق اللغوي الذي نتحدث عنه فيعني مراجعة النصوص المكتوبة أو المقروءة، وتصحيح الأخطاء النحوية والإملائية والصرفية، والتأكّد من استخدام علامات الترقيم كلّاً في مكانها المناسب، ويجب على المدقق اللغويّ الناجح أن يمتلك بعض الصفات للعمل في التدقيق اللغوي العربي، وكما ذكرنا في مقالاتٍ سابقة، فالتدقيق اللغوي لا يتم تدريسه في المدارس والجامعات.
ما هو التحرير؟
المعنى المعجمي لكلمة “التحرير” هو الإنشاء؛ بينما مجال التحرير يعني أن يقوم الشخص بتحسين النصوص، وإصلاح الأخطاء فيها، وأن يحوّل الأفكار والآراء والحقائق إلى نصوصٍ مكتوبة، وبسيطة سهلة الفهم؛ فالتحرير هو فن يهتم بتوضيح الكلام المكتوب وتبسيطه وتسهيله، وبإصلاح الأخطاء بشكلٍ كامل، على عكس التدقيق اللغويّ الذي يهتم بالإشارة إلى الأخطاء فقط دون إصلاحها، ويحتاج التحرير إلى تركيزٍ شديد، وسرعةٍ بديهة؛ كونه يُعنى بتنظيم وتصحيح المعلومات، والتأكد من صحتها، وتنسيقها وضبطها.
الفرق بين التدقيق اللغويّ والتحرير.

بعد أن عرّفنا التدقيق اللغويّ والتحرير، ينبغي أن نتحدث الآن بشكلٍ أدق، ونقف عند بعض التفاصيل التي تميز كلاً منهما، ويجب على كل من يعمل في إحدى المجالين أن يدرك هذه الفروقات؛ كي يعرف مهامه بشكلٍ دقيق، ولا يتحمّل مسؤولية إتمام مهمات غير مطلوبة منه، فمثلاً، لربما يظن المدقق اللغويّ أن إعادة صياغة بعض التراكيب والجمل من مهماته، إلا أنّها ليست كذلك، وهنا الفروقات بين التدقيق اللغوي والتحرير:
- ببساطة، يهتمّ التحرير بإعادة صياغة التراكيب، والتحقق من توافقها مع المعنى المطلوب؛ فالجملة قد لا تحتوي على أية أخطاء نحوية، أو إملائية أو صرفية، لكن لا يمكن فهمها واستيعابها، فالكاتب لم يحسن صياغتها، وهنا يأتي دور المحرّر اللغوي، إذ يقوم بإعادة صياغة الجملة لتتوافق مع سياق الكلام، ولهذا فالتحرير أهم وأشمل من التدقيق؛ كونه يهتم بالصياغة جنباً إلى جنب مع السلامة الإملائية، والنحوية.
- يحتاج المحرر إلى ثقافةٍ واسعة وعميقة لا يحتاجها المدقّق؛ لأنّ التدقيق يهتم بخلو النص من الأخطاء النحوية والإملائية، أي يتعلق بقواعد ومهارات اللغة العربية، بينما التحرير يتطلّب تغيير الكلام المكتوب، وذلك اعتماداً على ثقافة وخبرة المحرر، وقدرته على تنبؤ المعنى المطلوب، والصياغة الصحيحة، ودمجه مع سياق النص، وبالتالي يمكن الاستنتاج أنّ كل محرّر لغوي هو مدقق لغوي، بينما ليس كل مدقق لغوي هو محرر لغوي.
- يحتاج المحرر وقتاً أطول من المدقق لإتمام صفحةٍ واحدة، وهذا يؤدي إلى اختلاف الأجور المادية بين التصحيح اللغوي والتحرير، فتدقيق صفحة واحدة قد لا يستغرق أكثر من 5 دقائق، بينما تحرير نفس الصفحة قد يحتاج إلى 15 دقيقة؛ وذلك بسبب اختلاف المهام بينهما كما ذكرنا قبل قليل.
- مهمة التحرير تتطلّب تركيزاً أكبر من مهمة التصحيح اللغوي؛ كون التحرير يهتم بأسلوب الكتابة، ومناطق القوة والضعف فيه، ويهتم أيضاً بصحة المعلومات المكتوبة، ومطابقتها للحقائق.
- صلاحيات المحرّر أكثر من صلاحيات المدقّق اللغوي، وكذلك الأمر بالنسبة للخبرات والمهام المطلوبة.