تلوث اللغة

تلوث اللغة.. الأسباب وسبل المواجهة

اللغة ليست مجرد وسيلةً يعبّر بها الإنسان عما يريد قوله، أو ما يجيش بخاطره؛ بل هي في الحقيقة الوسيلة التي يتعرّف بها الإنسان على محيطه، ويفهم بها نفسه، والعالم من حوله. قديماً قال الفيلسوف سقراط: “تكلّم حتى أراك”، وقال الصحابي الجليل عمر بن الخطاب: “أهاب الرجل حتى يتكلَّم، فإن تكلَّم سقط من عيني، أو رفع نفسه عندي”. وكان يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “المرء مخبوءٌ تحت لسانه”. هكذا يتضّح أنّ لغة المرء وكلماته تعبر عنه، وعن مقداره وما هو عليه. والواقع الآن يشهد أنّ اللغة العربية تعاني من تلوثٍ كبيرٍ حدث لها هذا الزمان، والذي أصبحت فيه وسائل، ومنصات التواصل الاجتماعي مكاناً يحفل بملايين الكتابات، والنصوص العربية التي تندرج تحت تلوث اللغة، واللغة العربية منها براءة.

لقد حلّ جيلٌ يتهاون باستخدام لغة القرآن، ويرضى عنها بالذي هو أدنى، جيلٌ لا يرفع في كتابته، أو حديثه فاعلاً، ولا ينصب مفعولاً، ولا يجرّ مجروراً.

بل استبدل هذا الجيل كلمات العربية البيضاء، بكلماتٍ أخرى سوقية؛ لا تنتمي إلى قاموس مفرداتنا الأصيل، ولا إلى هويتنا العربية النقيّة. ورغم أنّ منظمة اليونسكو تصنف اللغة العربية ضمن أكثر اللغات انتشاراً في العالم، حيث يتحدثها أكثر من أربعمئة شخصٍ في العالم، إلا أنّ هذا التلوث اللغويّ يهدد امتداد هذه اللغة إلى ملايين الأشخاص؛ لتعلّمها حول العالم.

اقرأ أيضاً: ما هي الاستراتيجيات العامة للتحرير؟ وما هي استراتيجيات التدقيق اللغوي؟

فجوةٌ كبيرةٌ تؤدي إلى تلوث اللغة

تلوث اللغة

لقد أصبحت هناك فجوةٌ كبيرةٌ بين اللغة التي يدرس بها الطلاب في المدراس، والمعاهد، والكليات، وبين تلك التي يتحدثون بها، ويكتبون بها على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، ومواقع الإنترنت. فأصبح هناك ما يعرف بلغة الفرانكو، وهي لغةٌ تُكتب بالإنجليزية، وتُنطق بالعربية، ويعتمد عليها الكثير من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة.

 بل إن الفجوة ظهرت أيضاً بين شرائح المجتمع المختلفة، فيما يخص التعبير بالكتابة، حيث ظهرت مع انتشار الكتابة، والتدوين عبر المواقع، مدى ضحالة التعبيرات، والمفردات، وسطحيتها.

لقد أصبح جمهور المراهقين العرب الآن يستخدمون مفرداتٍ غريبةً عن لغتنا للتواصل فيما بينهم، قد لا يفهمها الآخرون، ولا يستسيغونها، وبفضل انتشار الإنترنت، والتواصل الاجتماعي انتشرت هذه المفردات، وتطورت بشكلٍ غير مسبوق؛ الأمر الذي جعل الكثير من متخصصي اللغة يدقّ ناقوس الخطر، من تلوث اللغة، وتدهور المفردات. وهذا الاختلاف، وهذه الفجوة بين لغة الشباب المنطوقة، وبين لغة الكتّاب أصحاب الكتب، والمشاريع الأدبية، جعلت الشباب في أغلب الدول العربية يعزفون عن استهلاك الإنتاج الأدبي الرصين من قصةٍ، وشعرٍ، وروايةٍ، ويتجهون إلى مشروعاتٍ سطحيةٍ لا تعتبر للغة، كما تستخدم المفردات العاميّة الملوّثة في التعبير.

اقرأ أيضاً: مهارات المدقق اللغوي… تعرّف على أكثر المهارات التي يحتاجها المدقق اللغويّ.

 مشكلةٌ عالميةٌ

قد لا تكون هذه المشكلة التي نعاني منها في المنطقة العربية مشكلةً محليةً خاصةً. بل في الحقيقة هي مشكلةٌ عالميةٌ تعاني منها معظم اللغات الحية. ففي الإنجليزية أصبحت هناك لغاتٌ ومفرداتٌ مختلفةٌ، تجبر المتخصصين على تتبعها، ومحاولة محاصرتها. والعمل على تقديم البديل الصحيح لها، خاصةً مع انتشار اللغة الإنجليزية في معظم ربوع العالم.

كذلك الأمر ما باقي لغات العالم. حيث طغت اللهجات المحلية على اللغات الأصلية، وتسببت في تلوثها، وإلحاق بها ما ليس منها.

وسائل الإعلام في قفص الاتهام

ربما تكون وسائل الإعلام المختلفة أحد الأطراف التي يشار إليها على أنها أحد أسباب تدهور اللغة بما تستخدمه من مفرداتٍ رديئة. لكن البعض يقول أنّ وسائل الإعلام ليست إلا انعكاساََ لثقافة المجتمع. وأنّ ما تقدمه ليس أكثر من صورةٍ مصغرةٍ عن تراجع الوعي بأهمية اللغة النقية الصحيحة.

لكنّ بعضهم الآخر يشير إلى أنّ لوسائل الإعلام دوراً محورياً في تنمية اللغة، والارتقاء بها. عن طريق ما تقدمه، ويجب ألّا تنساق وراء رغبات الجماهير.

اقرأ أيضاً: تعرّف على الغش البحثي، وكيف تتجنبه؟

مواجهة تلوث اللغة

يسعى المتخصصون إلى مواجهة هذا التلوث، والتدهور الحادث في اللغة المستخدمة. حيث يعقدون المؤتمرات، ويقدمون التوصيات التي تقدم كيفية حماية اللغة من التدهور، والتلوث، والتي من أهمها:

  • الاهتمام بتدريس اللغة العربية في المدارس والجامعات، ومحاولة التبسيط غير المخل للمناهج بحيث تصل ميسورةً إلى طلاب الأجيال الحالية. والتأكيد على تحدث أركان العملية التعليمية من معلمين، وطلاب، اللغة العربية الفصحى داخل المنشآت التعليمية. بحيث يكون بدايةً لانطلاقهم بهذه اللغة إلى خارج أسوار تلك المنشآت.
  • العمل على إظهار جمال اللغة العربية، ومفرداتها في المناهج التعليمية.
  • العمل على تعريب العلوم المختلفة. فقد استوعبت اللغة العربية جميع العلوم، ولا تزال قادرة على الوفاء بمتطلبات العلوم الحديثة من مصطلحاتٍ، ومفرداتٍ.
  • تفكيك الارتباط بين اللغة العربية الفصحى، واستخدامها فقط للإشارة إلى مواضيعٍ تاريخيةٍ، وتراثيةٍ، ودينيةٍ فقط. والخروج بها إلى آفاقٍ أرحب في الحاضر، والحياة اليومية.
  • الاستفادة من وسائل الإعلام الجماهيرية، في تقديم محتوىً لغويّاََ راقياً يرتفع بأذواق الجماهير، ولا يسقط في فخ مجاراة ما يطلبونه.
  • تكثيف النشر الأدبي من قبل الحكومات، وإتاحة تلك المنشورات بأسعارٍ رمزية تشجّع على اقتنائها والاستفادة منها.
  • الاهتمام بتدريس القرآن الكريم؛ فهو الحصانة الأكيدة للغة العربية، ونشر معاهده، وكتاتيبه. 
شارك المقالة

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هل تحتاج إلى مدقق لغوي؟اطلب الخدمة الآن
+ +